كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجعل أبو حيان قوله تعالى: {مَن لَّعَنَهُ الله} إلى آخره- مِنْ وَضْعِ الظاهرِ موضعَ المضْمَر؛ تنبيهًا على الوصف الذي به حصل كونهم شرًّا مثوبةً، كأنه قيل: قل هَلْ أنبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلك عند الله مَثُوبَةً؟ أنتم، أيْ: هُمْ أنْتُمْ، ويَدُلُّ على هذا المعنى قوله بعدُ: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قالوا آمَنَّا} [المائدة: 61]، فيكون الضميرُ واحدًا، وجعل هذا هو الذي تقتضيه فصاحةُ الكلام، وقرأ أبيُّ بْنُ كَعْبٍ وعبد الله بْنُ مَسْعُود رضي الله عنهما: {من غضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَجَعَلهُمْ قِرَدَةً} وهي واضحةٌ.
قوله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} في هذه الآية أربعٌ وعشرون قراءة، اثنتان في السَّبْعِ، وهما {وعَبَدَ الطَّاغُوت} على أنَّ {عَبَدَ} فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للفاعل، وفيه ضميرٌ يعودُ على «مَنْ»؛ كما تقدَّم، وهي قراءة جمهور السَّبْعة غيرَ حَمْزة أي: جعل منهم من {عَبَدَ الطَّاغُوتَ} أي: أطَاعَ الشَّيْطَان فيما سَوَّل له، ويؤيده قراءة ابن مسعُودٍ {وَمَنْ عَبَدُوا الطَّاغُوتَ}.
والثانية: {وَعبُدَ الطَّاغُوتِ} بضم الباء، وفتح الدال، وخَفْض الطاغوتِ، وهي قراءةُ حمزة- رحمه الله- والأعْمَشِ ويحيى بْنِ وثَّاب؛ وتوجيهُها كما قال الفارسيُّ وهو أن {عَبُدًا} واحدٌ يُرادُ به الكَثْرةُ، كقوله تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وليس بجَمْعِ «عَبْدٍ»؛ لأنه ليس في أبنيةِ الجَمْعِ مثلُه، قال: وقد جاءَ على فعُلٍ؛ لأنه بناءٌ يُرَادُ به الكثرةُ والمبالغةُ في نحْوِ يَقُظٍ وندُسٍ؛ لأنه قد ذهب في عبادة الطاغوت كلَّ مذْهَبٍ، وبهذا المعنى أجاب الزمخشريُّ أيضًا، قال- رحمه الله تعالى-: معناه الغُلُّو في العبوديَّة؛ كقولهم: «رَجُلٌ حَذُرٌ وفَطُنٌ» للبليغ في الحَذَر والفطْنة؛ وأنشد لِطَرَفَة: [الكامل]
أبَنِي لُبَيْنَى، إنَّ أمَّكُم ** أمَةٌ، وَإِنَّ أبَاكُمُ عَبُدُ

قد سَبَقُهمَا إلى هذا التوجيهِ أبو إسْحَاق، وأبو بَكْر بنُ الأنْبَارِيِّ، قال أبو بَكْرٍ: وضُمَّتِ الباءُ للمبالغةِ؛ كقولهم للفَطِن: «فَطُنٌ» وللحَذِر: {حَذُرٌ}، يَضُمُّون العين للمبالغةِ؛ قال أوس بن حُجْرٍ: [الكامل]
أبَنِي لُبَيْنَى، إنَّ أمَّكُمُ ** أمَةٌ، وإنَّ أبَاكُمُ عَبُدُ

بضمِّ الباء.
ونَسَب البيت لابن حُجْر، وقد تقدَّم أنه لطرفة، ومِمَّنْ نَسَبه لطرفة الشيخُ شهابُ الدينِ أبو شَامَةَ.
وقال أبو إسحاق: ووجْهُ قراءةِ حمزة: أنَّ الاسم بُني على «فَعُلٍ»؛ كما تقول: «رَجُلٌ حَذُرٌ»، وتأويلُه أنه مبالغٌ في الحَذَرِ، فتأويلُ «عَبُدٍ»: أنَّه بلغَ الغايةَ في طاعة الشيطانِ، وكأنَّ هذا اللفظ لفظٌ واحدٌ يَدُلُّ على الجَمْعِ؛ كما تقول للقوم «عَبُدُ العَصَا» تريدُ: عَبيدَ العَصَا، فأخذ أبو عليّ هذا، وبَسَطَهُ.
ثم قال «وجاز هذا البناءُ على عَبْدٍ؛ لأنه في الأصلِ صِفَةٌ، وإن كان قد استُعْمِلَ استعمالَ الأسماءِ، لا يُزيله ذلك عن حُكْمِ الوصْفِ، كالأبْطَحِ والأبْرَقِ استُعْمِلاَ استعمال الأسماء حتَّى جُمِعَا جَمْعَهَا في قولهم: أبَارِق وأبَاطِح كأجَادِل، جَمْع الأجْدَل، ثم لم يُزِلْ ذلك عنهما حكم الصفة؛ يَدُلُّكَ على ذلك مَنْعُهم له الصَّرْف؛ كأحْمَرَ، وإذا لم يَخْرج العبدُ عن الصفة، لم يمتنعْ أنْ يُبنَى بناءَ الصفات على فَعُلٍ، نحو: يَقُظٍ».
وقال البَغَوِي: هُمَا لُغَتَانِ: «عَبْد» بجزم الباء، و«عَبُد» بضمها، مثل سَبْع، وَسَبُع.
وطعن بعض الناس على هذه القراءة، ونسب قارئها إلى الوهْم؛ كالفراء، والزجاج، وأبي عُبَيْدٍ، ونصيرٍ الرازيِّ النحويِّ صاحب الكسائيِّ؛ قال الفرَّاء: «إنما يجوز ذلك في ضرورةِ الشِّعْرِ- يعني ضمَّ باء «عَبُدٍ»- فأمَّا في القراءة فَلاَ»، وقال أيضًا: «إنْ تكنْ لغةً مِثْلَ حَذُرٍ وعَجُلٍ، جاز ذلك، وهو وجهٌ، وإلاَّ فلا تجوزُ في القراءة»، وقال الزَّجَّاج: «هذه القراءةُ ليستْ بالوجهِ؛ لأنَّ عَبُدًا على فَعُلٍ، وهذا ليس من أمثلةِ الجَمْعِ»، وقال أبو عُبَيْدٍ: «إنما معنى العَبُدِ عندهم الأعْبُدُ، يريدون خَدَم الطَّاغوتِ، ولم نجدْ هذا يَصِحُّ عند أحدٍ من فصحاء العرب أن العَبْدَ يقال فيه عَبُدٌ، وإنما عَبْدٌ وأعْبُدٌ»، وقال نصيرٌ الرزايُّ: «هذا وَهْمٌ مِمَّن قرأ به، فليتَّق الله مَنْ قرأ به، وليسألْ عنه العلماء حتى يُوقَفَ على أنه غير جائز».
قال شهاب الدين: قد سألوا العلماءَ عن ذلك ووجدوه صحيحًا في المعنى بحمد الله تعالى، وإذا تواتر الشيءُ قرآنًا، فلا التفاتَ إلى مُنْكِره؛ لأنه خَفِيَ عليه ما وَضَح لغيره.
وقَدْ ذَكَرُوا في تَوْجِيه هذه القِرَاءة وُجُوهًا: مِنْهَا ما تقدَّمَ من أنَّهم ضَمُّوا البَاءَ للمبالَغَة، كقولِهِم: «حَذُر» و«فَطُن» ومنها ما نقله البَغَوِي وغيره: أنَّ «العبْد» و«العبُد» لغتان كقولهم سَبْع، وسَبُع.
ومنها: أن العَبْد جمعه عِبَاد، والعِبَادُ جَمْعُ عُبُد، كثِمَار وَثُمُر، فاستثقلوا ضَمَّتَيْن مُتَواليتيْن فأبْدِلت الأولى فَتْحَة.
ومنها: يحتمل أنهم أرادوا أعْبُد الطَّاغُوت، مثل فَلْسٍ وأفْلُسٍ ثم حُذِفَتِ «الهَمْزَةُ» ونقلت حَرَكَتُها إلى «العَيْن».
ومنها: أنه أراد: وعبدةَ الطَّاغُوت، ثم حذفت الهاء وضم الباء لِئَلاَّ يُشْبِه الفِعْلَ.
وأمَّا القراءاتُ الشاذَّةُ فقرأ أبَيٌّ: {وعَبَدُوا} بواو الجمع؛ مراعاةً لمعنى «مَنْ»، وهي واضحةٌ، وقرأ الحسنُ البصريُّ في رواية عبَّادٍ: {وعَبْدَ الطَّاغُوتَ} بفتح العين والدال، وسكون الباء، ونصب التاء من {الطَّاغُوتَ}، وخرَّجها ابن عطية على وجهيْنِ أحدهما: أنه أراد: «وعَبْدًا الطَّاغُوتَ»، فحذف التنوينَ من «عَبْدًا»؛ لالتقاء الساكنين؛ كقوله: [المتقارب]
-....... ** وَلاَ ذَاكِرِ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلا

والثاني: أنه أراد «وعَبَدَ» بفتح الباء على أنه فِعْلٌ ماضٍ؛ كقراءة الجماعة، إلا أنه سكَّن العينَ على نحوِ ما سكَّنها في قول الآخر: [الطويل]
وَمَا كُلُّ مَغْبُونٍ وَلَوْ سَلْفَ صَفْقُهُ

بسكون اللام، ومثله قراءةُ أبي السَّمَّال: {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} [المائدة: 64] بسكون العين، قال شهاب الدين: ليس ذلك مثل «لُعْنُوا»؛ لأنَّ تخفيف الكسْرِ مقيسٌ؛ بخلاف الفتح؛ ومثلُ «سَلْفَ» قولُ الآخر: [الرمل]
إنَّمَا شِعْرِيَ مِلْحٌ ** قَدْ خُلِطْ بجُلْجُلاَنِ

من حيث إنه خَفَّف الفَتْحة.
وقال أبو حيان- بعد أن حكى التخريج الأوَّل عن ابن عطية-: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ عَبْدًا لايمكنُ أن ينصبَ الطاغوتَ؛ إذ ليس بمصدرٍ ولا اسمِ فاعلٍ، فالتخريجُ الصحيحُ أن يكون تخفيفًا من «عَبَدَ» كـ «سَلْفَ» في «سَلَفَ»، قال شهاب الدين: لو ذكر التخريجَيْن عن ابن عطيَّة، ثم استشكل الأولَ، لكان إنصافًا؛ لئلا يُتَوَهَّم أن التخريج الثاني له، ويمكن أن يقال: إنَّ «عَبْدًا» لِما في لفظه من معنى التذلل والخضوعِ دَلَّ على ناصبٍ للطاغوت حُذِفَ، فكأنه قيل: مَنْ يعبدُ هذا العَبْدَ؟ فقيل: يَعْبُدُ الطاغوتَ، وإذا تقرَّر أنَّ «عَبْدَ» حُذِفَ تنوينُه فهو منصوبٌ عطْفًا على القِردَةِ، أي: وجعلَ منْهُمْ عَبْدًا للطَّاغوتِ.
وقرأ الحسنُ أيضًا في روايةٍ أخرى كهذه القراءة، إلا أنه جَرَّ «الطَّاغُوت» وهي واضحةٌ، فإنه مفرد يُرادُ به الجنسُ أضيفَ إلى ما بعده، وقرأ الأعْمَشُ والنخَعِيُّ وأبو جعفر: «وعُبِدَ» مبنيًّا للمفعول، «الطَّاغُوتُ» رفعًا، وقراءة عبد الله كذلك، إلا أنَّه زاد في الفعل تاء التأنيث، وقرأ: {وعُبِدَتِ الطَّاغُوتُ} والطاغوتُ يذكَّر ويؤنَّث؛ قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} [الزمر: 17] وقد تقدَّم في البقرة [الآية: 25]، قال ابن عطية: «وضَعَّفَ الطبريُّ هذه القراءةَ، وهي متجهةٌ»، يعني: قراءةَ البناءِ للمفعولِ، ولم يبيِّنْ وجهَ الضعفِ، ولا توجيهَ القراءة، ووجهُ الضعْفِ: أنه تخلو الجملة المعطوفة على الصِّلَةِ من رابطٍ يربُطُها بالموصولِ؛ إذ ليس في «عُبِدَ الطَّاغُوتُ» ضميرٌ يعودُ على {مَنْ لَعَنَهُ الله}، لو قلت: «أكْرَمْتُ الذينَ أهَنْتَهُمْ وضُرِبَ زَيْدٌ» على أن يكون «وضُرِبَ» عطفًا على «أكْرَمْتُ» لم يَجُزْ، فكذلك هذا، وأمَّا توجيهُها، فهو كما قال الزمخشريُّ: إنَّ العائدَ محذوفٌ، تقديرُه: «وعُبِدَ الطَّاغُوتُ فِيهِمْ أوْ بِيْنَهُمْ».
وقرأ ابن مسعُود في رواية عبد الغفَّار عن علقمة عنه: {وعَبُدَ الطَّاغُوتُ} بفتح العين، وضمِّ الباء، وفتحِ الدالِ، ورفعِ {الطَّاغُوتُ}، وفيها تخريجان:
أحدهما:- ما ذكره ابن عطية- وهو: أن يصيرَ له أنْ عُبِدَ كالخُلُقِ والأمْرِ المعتاد المعروفِ، فهو في معنى فَقُهَ وشَرُفَ وظَرُفَ، قال شهاب الدين: يريد بكونه في معناه، أي: صار له الفِقْهُ والظَّرْفُ خُلُقًا معتادًا معروفًا، وإلاَّ فمعناه مغايرٌ لمعاني هذه الأفعال.
والثاني:- ما ذكره الزمخشري- وهو: أنْ صارَ معبودًا من دونِ الله كـ «أمُرَ»، أي: صَارَ أميرًا، وهو قريبٌ من الأوَّلِ، وإنْ كان بينهما فرقٌ لطيفٌ.
وقرأ ابن عبَّاس في رواية عِكْرِمة عنه ومُجَاهِد ويحيى بن وثَّاب: {وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ} بضم العين والباء، وفتح الدال وجر {الطَّاغُوتِ}، وفيها أقوال:
أحدها:- وهو قول الأخفش-: أنَّ عُبُدًا جمع عَبِيدٍ، وعَبِيدٌ جَمْعُ عَبْدٍ، فهو جمعُ الجمعِ، وأنشد: [الرمل]
أنْسُبِ الْعَبْدَ إلى آبَائِهِ ** أسْوَدَ الْجِلْدَةِ مِنْ قَوْمٍ عُبُدْ

وتابعه الزمخشريُّ على ذلك، يعني أنَّ عَبِيدًا جمعًا بمنزلة رَغيفٍ مفردًا فيُجْمَعُ جمعُه؛ كما يُقال: رَغِيفٌ ورُغُفٌ.
الثاني- وهو قولُ ثَعْلَب-: أنه جمعُ عَابِدٍ كشَارِفٍ وشُرُفٍ؛ وأنشد: [الوافر]
ألاَ يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّوَاءِ ** فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بِالْفِنَاءِ

والثالث: أنه جَمْعُ عَبْدٍ؛ كسَقْفٍ وسُقُفٍ ورَهْنٍ ورُهُنٍ.
والرابع: أنه جمع عبادٍ، وعبادٌ جمعُ «عَبْدٍ»، فيكونُ أيضًا جمعَ الجَمْع؛ مثل «ثِمَار» هو مع «ثَمَرَةٍ» ثم يُجْمَعُ على «ثُمُرٍ»، وهذا؛ لأنَّ «عِبادًا» و«ثِمَارًا» جمعَيْن بمنزلة «كِتَابٍ» مفردًا، و«كِتَاب» يجمع على «كُتُب» فكذلك ما وازَنَه.
وقرأ الأعمَشُ: {وعُبَّدَ} بضمِّ العين وتشديد الباء مفتوحةً وفتحِ الدَّال، {الطَّاغُوتِ} بالجرِّ، وهو جمع: عَابدٍ؛ كضُرَّبٍ في جمعِ ضَاربٍ، وخُلَّص في جمع خالصٍ.
وقرأ ابنُ مسعود أيضًا في رواية علقمة: {وعُبَدَ الطَّاغُوتِ} بضمِّ العين وفتحِ الباء والدالِ، و{الطَّاغُوتِ} جَرًّا؛ وتوجيُهها: أنه بناءُ مبالغةٍ، كحُطَمٍ ولُبَدٍ، وهو اسْمُ جِنْسٍ مفردٍ يُرَادُ به الجَمْعُ، والقولُ فيه كالقول في قراءةِ حمزة، وقد تقدَّمَتْ.
وقرأ ابن مَسْعُودٍ في رواية عَلْقمَةَ أيضًا: {وعُبَّدَ الطَّاغُوتَ} بضمِّ العين، وبشد الباء مفتوحة، وفتح الدال، ونصب {الطَّاغُوت}؛ وخرَّجها ابن عطية على أنها جمعُ عَابِدٍ؛ كضُرَّبٍ في جمع ضارِبٍ، وحَذَف التنوين من «عُبَّدًا»؛ لالتقاء الساكنين؛ كقوله: [الطويل]
-......... ** وَلاَ ذَاكِر اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاَ

قال: «وقد تقدَّمَ نَظِيرُهُ»، يعني قراءةَ: {وَعَبْدَ الطَّاغُوتَ} بفتح العين والدال، وسكونِ الباءِ، ونصبِ التاء، وكان ذَكَر لها تخريجَيْن، أحدُهما هذا، والآخرُ لا يمكنُ، وهو تسكينُ عين الماضي، وقرأ بُرَيدة الأسلَمِيُّ فيما نقلَه عنه ابنُ جريرٍ {وعَابِدَ الشَّيْطَان} بنصب «عَابِدَ» وجَرِّ «الشَّيْطَانِ» بدلَ الطَّاغُوتِ، وهو تفسيرٌ، لا قراءةٌ، وقرأ أبو واقدٍ الأعْرَابِيُّ: {وعُبَّادَ} بضمِّ العين وتشديد الباءِ بعدها ألف ونصبِ الدال، والطَّاغُوتِ بالجرِّ، وهي جمعُ عابدٍ؛ كضُرَّابٍ في ضاربٍ.
وقرأ بعضُ البصْريِّين: {وعِبَادَ الطَّاغُوتِ} بكسر العين، وبعد الباء المخفَّفة ألف، ونصْبِ الدال، وجَرِّ {الطَّاغُوتِ}، وفيها قولان:
أحدهما: أنه جمعُ عابدٍ؛ كقَائِمٍ وقيَامٍ، وصَائِمٍ وصيَامٍ.
والثاني: أنها جمعُ عَبْد؛ وأنشد سيبَوَيْهِ: [الوافر]
أتُوعِدُنِي بِقَوْمِكَ يَا بْنَ حَجْلٍ ** أُشَابَاتٍ يُخَالُونَ الْعِبَادَا

قال ابن عطية: «وقد يجوزُ أن يكونَ جَمْعَ «عَبْدٍ»، وقلَّما يأتي «عِبَاد» مضافًا إلى غير الله تعالى، وأنْشَد سيوَيْهِ: «أتُوعِدُنِي» البيتَ، قال أبو الفتْحِ: يريد عبادَ آدم عليه السلام ولو أراد عِبَاد الله فليس ذلك بشَيْءٍ يُسَبُّ به أحدٌ، فالخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ الله» قال ابن عطيَّة: «وهذا التعليقُ بآدَمَ شاذٌ بعيدٌ، والاعتراضُ باقٍ، وليس هذا مِمَّا تَخَيَّلَ الشاعرُ قَصْدَهُ، وإنما أرادَ العَبِيدَ، فساقَتْه القافيةُ إلى العِبَادِ؛ إذ قد يُقَالُ لِمَنْ يملكه مِلْكًا مَّا، وقد ذكر أن عربَ الحِيرةِ سُمُّوا عِبَادًا؛ لدخولهم في طاعةِ كِسْرَى، فدانَتْهم مملكتُه»، قال شهاب الدين: قد اشْتَهَرَ في ألسنةِ الناسِ أن «عَبْدًا» المضافَ إلى الله تعالى يُجْمَعُ على «عِبَاد» وإلى غيره على «عَبِيد»، وهذا هو الغالبُ، وعليه بَنَى أبو محمَّد.